ومسلم في صحيحه من كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل عمر.
* عن علي، عن ابن عبّاس قال: وضع عمر على سريره، فتكنّفه الناس، يدعون ويصلّون قبل أن يرفع، وأنا فيهم، فلم يرعني إلا رجل أخذ منكبي، فإذا علي، فترحّم على عمر وقال: ما خلفت أحداً أحبّ إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك، وايم الله، إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وحسبت أنّي كنت كثيراً ما أسمع النبيّ (صلى الله عليه وآله) يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر.
نعم هذا وضع ظاهر يشم منه رائحة السّياسة التي لعبت دورها في إقصاء فاطمة الزهراء وعدم دفنها قرب أبيها رغم أنها أول اللاحقين به. وفات الرّاوي هنا أن يضيف بعد قوله ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، وسأدفن أنا وأبو بكر وعمر.
ألا يتورع هؤلاء الذين يحتجّون بمثل هذه الروايات الموضوعة التي يكذبها التاريخ والواقع. وكتب المسلمين مشحونة بتظلّم علي وفاطمة الزهراء ممّا فعله أبو بكر وعمر طيلة حياتهما.
ثم تمعّن في الرواية لترى بأنّ الرّاوي يصوّر عليّاً وكأنّه رجلٌ أجنبي جاء ليتفرّج على ميّت غريب فوجد النّاس يكتظون عليه يدعون ويصلّون فأخذ بمنكب ابن عباس وكأنه همس في أذنه تلك الكلمات وانسحب، والمفروض أن يكون علي في مقدمة النّاس وهو الذي يصلّي بهم. ولا يفارق عمر حتى يواريه حفرته.
ولما كان النّاس في عهد بني أميّة يتسابقون في وضع الحديث بأمر من «أمير المؤمنين» معاوية الذي أراد أن يرفع قدر أبي بكر وعمر مقابل فضائل علي بن أبي طالب، فقد جاءت أحاديث الفضائل هزيلة مضحكة ومتناقضة في بعض الأحوال حسب هوى الرّاوي فمنهم التيمي الذي كان لا يقدّم على أبي بكر أحداً ومنهم العدوي الذي لا يقدّم على عمر أحداً، وبنو أمية الذين كانوا معجبين بشخصية ابن الخطاب الجريء على النّبي والفظ الغليظ الذي لا يتورّع من شيء ولا يهاب شيء فكانوا كثيراً ما يمدحونه ويضعون الأحاديث التي تفضّله على أبي بكر.
وإليك أيها القارىء بعض الأمثلة.
أخرج مسلم في صحيحه في كتاب فضائل الصّحابة باب من فضائل عمر رضي الله تعالى عنه.
وأخرج البخاري في صحيحه من كتاب الإيمان باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال.
* عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): بينما أنا نائم رأيت النّاس يعرضون علي، وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما دون ذلك، وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره، قالوا: فما أوّلت ذلك يا رسول الله؟ قال: الدين.
وإذا كان تأويل النّبي (صلى الله عليه وآله) لهذه الرؤيا، هو الدّين فمعنى ذلك أن عمر بن الخطاب أفضل من كل النّاس لأنّ الدّين بالنسبة إليهم لم يبلغ إلى الثدي وما تجاوز الدّين قلوبهم، بينما عمر مليء بالدّين من رأسه إلى أخمص قدميه وأكثر من ذلك فهو يجرّ الدين وراءه جراً. كما يجرّ القميص. فأين أبو بكر الصديق الذي يرجح إيمانه إيمان الأمّة بأكملها؟
كما أخرج البخاري في صحيحه من كتاب العلم باب فضل العلم. وأخرج مسلم في صحيحه من كتاب فضائل الصّحابة باب فضائل عمر.
* عن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: بينما أنا نائم أتيت بقدح لبن، فشربت حتّى إنّي لأرى الري يخرج في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب، قالوا: فما أوّلته يا رسول الله؟ قال: العلم.
أقول فهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟ وإذا كان ابن الخطاب قد فاق الأمة بأكملها أو النّاس بأجمعهم في الدّين بما فيهم أبو بكر، ففي هذه الرواية صراحة بأنّه فاقهم أيضاً في العلم فهو أعلم النّاس بعد الرّسول (صلى الله عليه وآله).
بقيت هناك فضيلة أخرى يتبارى النّاس في التحلّي بها والإنتماء إليها وهي من الصفات الحميدة التي يحبّها الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) ويحبّها جميع النّاس ويحاولون الوصول إليها ألا وهي الشجاعة فلا بدّ للرّواة أن يضعوا فيها حديثاً لفائدة أبي حفص وقد فعلوا.
أخرج البخاري في صحيحه من كتاب فضائل أصحاب النّبي (صلى الله عليه وآله) باب قول النّبي (صلى الله عليه وآله) لو كنت متخذاً خليلاً.
وأخرج مسلم في صحيحه من كتاب فضائل الصّحابة باب من فضائل عمر.
* عن أبي هريرة: قال: سمعت النّبي (صلى الله عليه وآله) يقول: بينما أنا نائم رأيتني على قليب، عليها دلوٌ، فنزعت منها ما شاء الله، ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع بها ذنوباً أو ذنوبين وفي نزعه ضعف، والله يغفر له ضعفه، ثم استحالت غرباً فأخذها ابن الخطّاب، فلم أر عبقرياً من الناس ينزع نزع عمر، حتى ضرب الناس بعطن.
فإذا كان الدّين وهو مركز الإيمان والإسلام والتقوى والتقرب إلى الله سبحانه قد حازه عمر بن الخطاب حتّى جرّه وراءه بينما النّاس لم يكن نصيبهم منه إلا ما يبلغ الثدي وبقيت أجسامهم عارية، وإذا كان العلم اختصّ به عمر بن الخطاب فلم يترك للنّاس شيئاً من فضل الرّسول (صلى الله عليه وآله) إذ أعطاه إليه فشربه كلّه ولم يفكّر حتّى في صاحبه أبي بكر الصّديق (وهو لا شك العلم الذي خوّل عمر أن يغيّر أحكام الله بعد وفاة النّبي (صلى الله عليه وآله)، باجتهاده ولا شك أنّ اجتهاده من فضل ذلك العلم) وإذا كانت القوة والشجاعة قد اختصّ بها ابن الخطاب أيضاً بعد الضعف الذي بدا على صاحبه أبي بكر وهذا صحيح، ألم يقل له أبو بكر مرة (لقد قلت لك أنك أقوى على هذا الأمر منّي ولكنّك غلبتني) فيغفر الله لأبي بكر لضعفه ولتقدّمه في الخلافة عليه، لأن أنصار عمر من بني عدي وبني أميّة ما رأوا رخاءً وانتفاعاً وغنائم وفتوحات مثل ما رأوه في زمانه.
نعم كل هذا فضل عمر بن الخطاب في الحياة الدنيا فلا بدّ أن يضمنوا له الجنة في الآخرة أيضا بمرتبة أكبر وأفضل من صاحبه أبي بكر. وقد فعلوا.