أخرج البخاري في صحيحه من كتاب بدء الخلق باب ما جاء في صفة الجنة وأنّها مخلوقة وأخرج مسلم في صحيحه في كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل عمر.
* عن أبي هريرة: رضي الله عنه قال: بينما نحن عند رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إذ قال: «بينما أنا نائم»، رأيتني في الجنّة، فإذا امرأةٌ تتوضّأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب، فذكرت غيرته فولّيت مدبراً، فبكى عمر، وقال: أعليك أغار يا رسول الله؟.
أخي القارئ اظنّك فطنت إلى تنسيق هذه الروايات المكذوبة وقد سطّرت على كل منها تحت عبارة واحدة مشتركة في كل الروايات التي
اختصّت بفضائل عمر بن الخطاب ألا وهي قول الرّسول (صلى الله عليه وآله) (وحاشاه طبعاً) بينما أنا نائم فتجدها دائماً في كل الرّوايات بينما أنا نائم رأيت النّاس يعرضون عليّ بينما أنا نائم أتيت بقدح لبن، بينما أنا نائم رأيتني على قليب وبينما أنا نائمٌ رأيتني في الجنة. ولعلّ راوي الحديث كان كثير الحلم والأضغاث فكان يتأوّل ويختلق الروايات على لسان النّبي (صلى الله عليه وآله)، فكم كذب عليه في حياته وهو موجود بين ظهرانيهم فكيف بعد وفاته وقد انحرفت الأمّة وتقاتلوا وأصبحوا مذاهب وأحزاباً كل حزب بما لديهم فرحون. ولكن بقي شيء واحدٌ سجّله المؤرّخون والصّحابة الذين كانوا من أنصار عمر بن الخطاب نفسه ألا وهو الخلق الذي كان يمتاز به عمر في الغلظة والفظاظة والشدّة على الناس وحدّة الطبع، ومن كان هذا طبعه عادة لا يحبّه الناس قال تعالى: «ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك» [آل عمران: 159]. ولكنّ المعجبين بعمر يقلّبون الموازين ويجعلون من النقيصة منقبة ومن الرذيلة فضيلة، فقد عمدوا إلى اختلاق رواية في شدّة السخافة والبلاهة والمسّ بكرامة النّبي (صلى الله عليه وآله) الذي يشهد الله سبحانه بأنّه ليس فظّاً ولا غليظاً وإنما هو ليّن الطبع ـ فبما رحمة من الله لنت لهم ـ وإنّك لعلى خلق عظيم ـ بالمؤمنين رؤوف رحيم ـ ورحمة للعالمين ـ فلنستمع إلى هؤلاء الحمقى ماذا يقولون فيه.
أخرج البخاري في صحيحه من كتاب بدء الخلق باب صفة إبليس وجنوده وأخرج مسلم في صحيحه من كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل عمر.
* عن سعد بن أبي وقّاص، قال: استأذن عمر على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعنده نساءٌ من قريش يكلّمنه، ويستكثرنه، عالية أصواتهنّ، فلما استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب، فأذن له رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يضحك، فقال عمر: أضحك الله سنّك يا رسول الله؟ قال: «عجبت من هؤلاء اللاّتي كن عندي فلمّا سمعن صوتك ابتدرن الحجاب. قال عمر: فأنت يا رسول الله كنت أحقّ أن يهبن، ثم قال: أي عديّات أنفسهن! أتهبنني ولا تهبن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قلن: نعم! أنت أفظُّ وأغلظ من رسول الله (صلى الله عليه وآله). قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قطُّ سالكاً فجّأ إلا سلك فجّاً غير فجّك.
كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلاّ كذباً أنظر إلى فظاعة الرّواية وكيف أنّ النّساء يهبن عمر ولا يهبن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويرفعن أصواتهن فوق صوت النّبي (صلى الله عليه وآله) ولا يحترمنه فلا يحتجبن بحضرته وبمجرد سماع صوت عمر سكتن وابتدرن الحجاب، عجبت والله من أمر هؤلاء الحمقى الذين لا يكفيهم كل ذلك حتى ينسبون إليه أنّه فظٌّ غليظ بكل صراحة. لأنّ عمر أفظّ وأغلظ من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهي من أفعال التفضيل فإن كانت هذه فضيلة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فعمر أفضل منه. وإن كانت رذيلة فكيف يقبل المسلمون وعلى رأسهم البخاري ومسلم مثل هذه الأحاديث.
ثم لم يكفهم كل ذلك حتّى جعلوا الشيطان يلعب ويمرح بحضرة النّبي (صلى الله عليه وآله) ولا يخافه فلا شك أنّ الشيطان هو الذي استفزّ النسوة حتى يرفعن أصواتهنّ ويخلعن حجابهنّ، ولكنّ الشيطان هرب وسلك فجّاً آخر بمجرد دخول عمر بيت الرسول (صلى الله عليه وآله).
هل رأيت أيّها المسلم الغيور ما هي قيمة الرّسول (صلى الله عليه وآله) عندهم، وكيف أنهم يقولون من حيث يشعرون أو لا يشعرون بأنّ عمر أفضل منه. وهو بالضبط ما يقع اليوم عندما يتحدّثون عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويعدّدون أخطاءه المزعومة ويبرّرون ذلك بأنّه بشر غير معصوم وبأنّ عمر كثيراً ما كان يصلح أخطاءه، وأنّ القرآن كان ينزل بتأييد عمر في العديد من المرّات، ويستدلّون بعبس وتولّى وبتأبير النخل وبأسرى بدر وغيرها.
ولكنّك عندما تقول أمامهم بأنّ عمر أخطأ في تعطيل سهم المؤلفة قلوبهم. أو في تحريم المتعتين أو في التفضيل في العطاء فإنّك ترى أوداجهم تنتفخ وأعينهم تحمّر ويتّهمونك بالخروج عن الدّين ويقال لك من أنت يا هذا حتى تنتقد سيدنا عمر الفاروق الذي يفرق بين الحقّ والباطل. وما عليك إلا أن تسلّم ولا تحاول الكلام معهم ثانية وإلاّ قد يلحقك منهم الأذى.
البخاري يدلّس الحديث حفاظاً على كرامة عمر بن الخطاب
نعم إنّ الباحث إذا ما تتّبع أحاديث البخاري لا يفهم الكثير منها وتبدوا كأنها ناقصة أو مقطّعة وأنّه يخرج نفس الحديث بنفس الأسانيد ولكنّه في كل مرّة يعطيه ألفاظاً مختلفة في عدّة أبواب. كل ذلك لشدة حبه لعمر بن الخطاب. ولعلّ ذلك هو الذي رغّب أهل السنّة فيه فقدّموه على سائر الكتب رغم أن مسلماً أضبط وكتابه مرتب حسب أبواب، إلا أن البخاري عندهم أصحّ الكتب بعد كتاب الله لأجل هذا ولأجل انتقاصه فضائل علي بن أبي طالب، فالبخاري عمل من جهة على تقطيع الحديث وبتره إذ كان فيه مسّ بشخصية عمر، كما عمل نفس الأسلوب مع الأحاديث التي تذكر فضائل علي. وسنوافيك ببعض الأمثلة على ذلك قريباً إن شاء الله.
بعض الأمثلة على تدليس الحديث التي فيها حقائق تكشف عن عمر بن الخطاب
1 ـ أخرج مسلم في صحيحه في كتاب الحيض باب التيمم قال: جاء رجل إلى عمر فقال: إنّي أجنبت فلم أجد ماءً؟ فقال عمر: لا تصلّ فقال عمّار: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرّية فأجنبنا فلم نجد ماءً فأما أنت فلم تصلّ، وأما أنا فتمعّكت في التّراب وصلّيت فقال النبي (صلى الله عليه وآله): إنّما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفّيك، فقال عمر: إتّق الله يا عمّار! قال: إن شئت لم أحدّث به. وأخرج هذه الرّواية كلّ من أبي داود في سننه وأحمد بن حنبل في مسنده والنّسائي في سننه والبيهقي وابن ماجه أيضاً.
ولكنّ البخاري خان الأمانة أمانة نقل الحديث كما هو ومن أجل الحفاظ على كرامة عمر دلّس الحديث لأنه لم يعجبه أن يعرف النّاس جهل الخليفة بأبسط قواعد الفقه الإسلامي وإليك الرواية التي تصرّف فيها البخاري.